لقد حثّ القرآن الكريم الناس ضمن آيات عديدة وباشكال مختلفة على اكتساب العلوم، وتحصيل المعارف، ودعاهم إلى التمعن في أسرار الخليقة بهدف الوقوف على آثارها، وليكون ذلك نقطة بداية على طريق تنمية المواهب، وترقية العقول، وترشيد القابليات، وليتجَلّى من خلال التعّمق والتمعّنَ في هذه الأسرار طريقُ إلى اكتشاف الرموز المودَعة في العالم وبالتالي التعرّف على القدرة الإلهية المطلقة.
على أن ثمّة نقطة واضحة جدّاً وهي أنّ هذا الكتاب السماويَّ العزيز لم ينزل لكي يعلّم البشرية الحساب والرياضيات ويوقفهم على علوم الفيزياء والكيمياء، والجبر والهندسة أو الهيئة والنجوم، بل القرآن كتاب هداية، وإرشاد فحسب، غاية ما هنالك أنه يتعرّض خلال آياته الشريفة، وبين الفينة والأُخرى إلى مثل هذه المسائل العلميِّة في شكل إيماءات ارشادية، وإشارات منبهّة، اصطُلح على تسميتها بمعجزات القرآن العلميّة التي يمكن ـ بالامعان فيها ـ الاهتداء إلى جذور الكثير من العلوم، وهو ما فعله علماء الاسلام إذ بدأوا نهضتهم العلميّة من بدايات القرن الثاني الهجريّ مستلهمِين من هذه الآيات الكريمة، وشغلوا مركز الصدارة في عصرهم في بعض العُلوم، وفي هذه المقالة نشير إلى بعض تلكم الآيات:
وهناك آيات عديدة اُخرى في القرآن الكريم استعملت لفظةُ (زوج)، و(الزوجية) في مجال النباتات(2) وقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن المراد من لفظة الزوج هو النوع(3) وقد فُسِّرت لفظةُ الزوجين في كتب اللغة هكذا (وَمِن كُلِّ شيء خلقنا زوجين) فتنبيه على أنّ الأشياء كلّها مركبّة من جوهر وعرض ومادة وصورة(4) (ومن كُلِّ الثمرات جعل فيها زوجين اثنين)، أي خلق فيها من جميع أنواعها زوجين أسود وابيض وحلواً وحامضاً ورطباً ويابساً(5).
إنّ مسألة الزوجية والتصريح بأنّ هناك ذكراً وأُنثى في عالم الحيوان والنبات من المسائل العجيبة جداً في عالم الطبيعة، والموجبة للتناسل والتكثر، والتوالد الموجب بدوره لبقاء النوع البشري واستمراره.
ومع أنّ هذه الحقيقة قد بُيّنت بمثل هذه الصراحة في آيات عديدة من القرآن الكريم ومع أنه قد اتضحت أساساً وإلى درجة كبيرة قضيّة اللقاح والتلاقح في عالم النباتات عن طريق الرياح(6) وعن طريق الحشرات، وبخاصّة في مجال النخيل فإنّ أغلبية المفسرين والمحققين في علوم القرآن ـ مع ذلك ـ لمّا بلغوا إلى لفظة (زوج) فسّروها بالنوع والصنف، في حين أنّ هذه اللفظة لا تفيد إلا معناها المعروف (الذكر والأُنثى) وهذا يبدو أجمل كما يكون افضل في شرح أسرار القرآن العلمية.
من بين علماء النبات المحققين كان (شارل لينة)(7) ذا رغبة شديدة في التعمق في أسرار النباتات وهو أول من صنّف النباتات ـ وللمرّة الأُولى ـ على أساس الزوجيّة، وأسّس إحدى تقسيماته في عالم النبات على هذا الأساس.
ولهذا سمّى في كتابه المعروف (أنواع النباتات) أكثر من سبعة آلاف وثلاثمائة نوع من النباتات(8).
إنّ هذا العالم الطبيعي السويديّ توصّل في تحقيقاته المفصلة في مجال علم النبات، وفي القرن الثامن عشر الميلادي إلى اكتشاف هذه الحقيقة وهي أنّ مسألة الزوجيّة وقصّة الذكورة والأُنوثة العجيبة في عالم النبات واقع مسلّم، وحقيقة ثابتة ومن القوانين غير القابلة للتغيير في عالم الطبيعة.
إنّ هذا العالم ومن خلال جهوده الدؤبة وسعيه المضني توصل إلى أسرار في عالَم النباتات، وأثبت وبادلّة علميّة ثابتة أنّ النباتات شأن أغلب الحيوانات تتكاثر عبر التلاقح بين نطفتي الذكر والأنثى وتؤتي أُكلها الطيّب اللذيذ والنافع كل حين.
إن تحقيقات (لينة) الجميلة الرائعة غيَّرت رؤية علماء النبات حول أنواع النبات، وخلّفت آثاراً وفوائد قيمة أفادت التحقيقات العلمية النباتية اللاحقة.
ولكن القرآن الكريم أشار ـ قبل لينة وتحقيقاته القيمة بقرون وأعوام مديدة ـ وضمن آيات عديدة إلى هذه الحقيقة العلمية في عالم النبات وذكر إلى جانب ظاهرة النمّو والحياة في عالم النبات لفظة (الزوج) أيضاً... والأجمل أنه ربما أشار إلى حقيقة أكثر عموميّة وشموليّة، وقال في صيغة عامة (ومِن كلِّ شيءٍ خلقنا زوجَين)(9).
ولقد ثبت ـ حسب التحقيقات والكشوف العلمية الحديثة ـ اليوم أنه ليس الانسان وحده، ولا الحيوانات وحدها مخلوقة من ذكر وأُنثى، بل الحشرات والنباتات هي الاُخرى مركبة من ذكر واُنثى، مع فارق أنّ مسألة الزوجية في عالم الاحياء تتمثلُ في الذكر والانثى، وفي عالم الموجودات الجمادية تتمثلُ في الجذب والدفع، والسالب والموجَب، وهي قضية تحتاج إلى توضيح أكثر في مكان آخر.
مشهد من عملية اللقاح:
كشف (موريس مترلينگ)(10) الكاتب البلجيكي المعروف في أحدى كتاباته تحت عنوان (ذكاء الزهور) عن عمليّة اللقاح الجميلة بين وردتين ويكتب في هذا الصدد قائلاً:
إنّ عناصر الذكورة (المتك) هادئة وساكتة على الدوام، وهي في أغلفة صفراء اللون وتصطفّ بصورة دائرة داخل كأس كبير ومخملي... وبمجرد أن تحين ساعة اللقاح، فكأنّ المعشوق يناديها واحداً واحداً باسمه، يقترب أوّل عنصر من عناصر الذكورة (المتك) هذه وبرفق إلى عنصر الاُنوثة (الميسم) ويحصل التماسُ والاتصال، ثم الثالث فالخامس فالسابع فالتاسع إلى أن تنتهي الاعدادُ الفردية، ثم يأتي دورُ الاعداد الزوجيّة، فيتقرَبَ الثاني فالرابع فالسادس فالثامن، ويحصلُ الاتصال بينها وبين المعشوق كما حصل من قبل بين مثيلاتها من الأفراد، وهكذا؛ تتم عملية اللقاح بين جهازي الذكورة والاُنوثة في نسَق عجيب غاية في البداعة والغرابة والدقة، ويذهب علماء النبات إلى أنّ هذا النوع من النبات يعرف عملية العدّ والاحصاء.
إنّ وردة (الواليز) تنبت في قعر الماء، وهي دائماً في حالة رقاد وغيبوبة، إلى وقت اللقاح والإخصاب، في هذه الحالة تتحرّك وتتملل... إناث هذا النوع من الورود مثل الفتيات تبلغ أسرع من الذكور ثم تصعد بسرعة إلى سطح الماء، وتزيح عن نفسها حجاب الاقحوان، وترقد على فراش الماء أمام الشمس مليئة بالعشق تفيض سُكراً. فيما يرمقها عنصرُ الذكر مثل عاشق ولهان، ولكن مهما يجتهد لا يستطيع أن يصل إلى سطح الماء وكأنه يدرك أنّ لقاء المعشوق ووصاله بحاجة إلى جهد أكثر وسعي أكبر، ولهذا ينقطع من ساقته دفعة واحدة، ويمضي في الارتفاع حتى يوصل نفسه إلى سطح الماء، ثم يدور حول معشوقته، ثم يلقي بنفسه المتعَبَة على جسد المعشوقة بشوق وعشق كبيرين، وتقدِمُ المعشوقة بدورها على ضمّ زوجها واحتضانه وجمع اوراقه، والعودة به مرة اُخرى إلى أعماق الماء في رحلة حبّ بعيدة، ليتمّ تربية وتنمية حصيلة هذا اللقاح في قلب الماء، ثم تقوم فيما بعد بتقدميه في صورة جميلة جداً إما إلى الماء وإما إلى سطح الماء.
وكوّرت من مادة التكوير وهي في اللغة بمعنى الجمع واللفّ(12) والمراد من الآية حسب رأي المرحوم الطبرسي هو الوقت الذي ينتهي فيه نور الشمس، ثم تفنى الشمس بعد الظلمة(13).
و(انكدرت) من مادة (الانكدار) بمعنى التهافت والانتشار والتحطّم والتلاشي، واعتبرها البعض مشتقة من التكدر والكدورة في مقابل الصفو والصفاء. وهو بمعنى فقدان الشعاع واللمعان، والاشراق(14). وهما يشتركان في جامع واحد، لأنّ النجوم والكواكب ـ حسب نظر العلماء وتكهُّناتهم ومحاسباتهم العلمية ـ تفقد في نهاية هذا العالم نُورها وضوءَها كما أنها تتحطَّم وتتلاشى وتسقط مع تبعثر نظام الكون العامّ، ولكن المرحوم الطبرسي رجّح القول الأوَّل وفضّله(15).
و(انفطرت) من مادة الانفطار يعني الشق، و(انتثرت) من مادة (الانتثار) بمعنى التبعثر وانفصام العرى(17) وكلتا الآيتين ترتبطان بنهاية هذا العالم، ومآله.
إنّ من المتفق عليه أنَّ العالَم سينتهي ذات يوم، وتتغير أوضاع الكون، وتنقلب، وينهدم النظام الكوني ويتهاوى، وتتبدل الشمس والقمر والنجوم، ولكن ليس من المعلوم جيداً أن هذا الانقلاب والتبدل يحصل تحت تأثير أي عامل أو عوامل. هل يحصل على أثر الاختلال في توازن الدفع والجذب، أم أن قضية الانبساط التدريجي للكون هي التي توجب وقوع هذه النهاية المأساوية في العالم، ولكنَّ ما هو متفق عليه ـ على كل حال ـ هو أنه ستقع ذات يوم انفجارات هائلة في جميع الكواك، ويتغير النظام العام السائد على جميع المنظومات وعلى أثر إصطدام بعضها ببعض تتلاشى وتتحطم، وفي هذا الوقت ينتهي عُمُر الكون.
إنّ الشمس كوة ملتهبة وساخنة جداً تعطي النور للعالم، وتنير الكون بأنوارها وأشعتها الساطعة.
ووفقاً لحسابات العلماء الدقيقة تتناقص حرارة الكون وأشعته مع ذهاب العالم إلى نهاية عمره، كما يتضاءل حجمه ويتقلّص شيئاً فشيئاً.
لقد شرح العلامة الفلكي المعروف (كوبرنيك)(18) في تحقيقاته العميقة أسراراً عن حركة الشمس ومركزيتها وكيفية حياتها، وبالتجديد الذي أحدثه في الدراسات المتعلقة بعلم النجوم عمد إلى دراسة ونقد نظريات بطليموس في المجسطي، وكشف عن جميع المشكلات والتناقضات الموجودة في النظام البطليموسي، وبالتالي عن عدم التناغم والانسجام بين الدوائر البطليموسيّة(19).
ولكن يمكن الوقوف على أفضل دراسة حول الشمس وبدايتها ونهايتها، بعد (كوبرينك) في مؤلف (جورج گاموف) المنشور تحت عنوان (ظهور وموت الشمس) والذي يثبت فيه بالأدلة العلمية أن موت الشمس أمر حتمي، وواقع لا محالة.
لقد كان قدامى الحكماء ـ كما هو معروف ـ يعتقدون أنّ الأفلاك وكلّ ما فيها باقية دائماً، وغير قابلة للزوال والاندثار، وإنها لا تتعرض للفساد والبطلان. ولكن المختصّين في علم النجوم، والفلاسفة الغربييّن أبطلوا ـ بفضل ما اُوتوا من إمكانيّات علمية وتحقيقات فضائية عميقة ـ هذه الافكار والمقرَّرات القديمة، ويرون أنّ جميع الاجرام سواء الشمس والقمر والكواكب أو غيرها قابلة ذاتياً للكون والفساد وأنها كانت مسبوقة بالعدم، يعني أنه كان ثمة يوم لم يكن فيه أيُّ واحد من هذه الاجرام البتة، وسيأتي يوم لا يكون فيه شيء من هذه الاجرام أيضاً، وستتعرض جميعها على الاطلاق للعدم والفناء.
ولقد لقيت هذه الحقيقة التأييد من قِبَل الدين من بدء بزوغ الاسلام وهي أن العالم حادث، وان جميع أجزائه مسبوقة بالعدم، وأنها تسير ـ في حركتها ـ على طريق العدم، ان الشمس والقمر والانجم وجميع الكرات في معرض الفناء والعدم، وان القرآن الكريم يعلن بصراحة كاملة عن ذلك اليوم ويقول: في ذلك اليوم يتعرض فيه الشمس والقمر، والنجوم للزوال.
وهذه الحقيقة يؤيّدها اليوم العلمُ الحديث ويذهب عالم مثل (البروفيسور گوذيت) وهو يرصد الفضاء من خلف عدسة مرصد جبل (بالومار) في (تازوني): إنّ هذه المجرّة التي تلاحظونها في السماء مثل سحابة بيضاء تتحرك يميناً وشمالاً، ليست بهذه الصورة التي تلاحظون... إذا كنتم تلاحظون هذه المجرة بهذا الشكل فإنّما هو لاجل أنّ هذه المجرّة تقع فوق رؤوسكم، ولو أنكم كنتم تواجهونها وجهاً لوجه لشاهدتم مجرتنا هذه في صورة لعبة نارية تدور بسرعة في دائرة، وتتناثر فيها حالة دورانها ذرات نارية في كل اتجاه كما تتناثر ذرات النار من اللعب النارية في ليالي الاحتفالات والافراح، مع فارق هو أن كل ذرة من الذرات المتناثرة من المجرة تكون عالماً شمسيّاً.
أنا وأنت والعالم الشمسي إحدى تلك الذرات الصغيرة التي تناثرت حول تلك اللعبة النارية الكبرى، ونبتعد عنها بسرعة 30،000 كيلو متر في الثانية، يعني بسرعة تعادل ثلاثة آلاف مرة ضعف سرعة الريح الحاصل من انفجار اضخم القنابل. أجل بهذه السرعة العجيبة والهائلة نبتعد عنها يعني مع المنظومة الشمسية وحفظ نظام السيارات، وكما تختفي الذرات النارية في ليلة الاحتفالات حول اللعبة النارية كذلك نحن، يعني أن دنيانا الشمسية ستختفي أيضاً. وعلى هذا الاساس إذا كنتم قد سمعتم ذات يوم أن الدنيا قد انفجرت، أو أنها في حالة إنفجار فلا تندهشوا أبداً ولا تتعجبوا لأنه عندما تنفجر قنبلة فإن ريح الانفجار تنتثر وتنطلق في الاتجاهات المختلفة بسرعة عشر كيلو مترات في الثانية، ولكنها تتناثر نحو الاتجاهات المختلفة بسرعة ثلاثين ألف كيلو متر في الثانية(20).
والعمد جمع عماد وعمود وحول جملة (ترونها) ثمّة احتمالان(22). الأول أنها جملة مستقلّة والثاني أنها صفة للعمد، وفي هذه الصورة يكون معناها: إن الله أقام السماوات من دون عمد مرئيّة، وهذا يستلزم وجود أعمدة غير مرئية للسماوات، والمسألة حينئذ تستدعي تحقيقات ودراسات علمية.
في الوقت الذي كانت فيه الهيئة البطليموسية(23) تسيطر على الأوساط العلمية العالمية، وتمسك بزمام التفوق، كان علماء الفلك يتبعون هذه النظرية وهي أن السماوات مخلوقة على هيئة خاصة وهي هيئة البصل أي أنّ كل سماء تقع داخل سماء أُخرى بحيث يلاصق ظهر كل سماء بطن سماء أعلى منه، وتعتمد كل سماء على سماء أُخرى.
ولكن التقدّم العلمي، والتحقيقات المفصَّلة التي قام بها علماء الفلك في القرون اللاحقة، سخّفوا هذه النظرية، وأثبتوا من خلال إظهار النظريات الحديثة أن الاعتقاد بالأفلاك البصلية الشكل وهم برمّته لأنّ قوة تعادل القوة الجاذبة (الجاذبية) هي التي تحفظ ـ في صورة قوة غير مرئيّة ـ كلَّ كرة في موضعها.
قال البروفيسور (گوزيت): إلى يوم لم يكن فيه قد صنع بعد عدسة مرصد جبل (بالومار) العظيمة، لم تكن سعة الكون الذي نلاحظه تبلغ أكثر من خمسمائة مليون سنة ضوئية، ولكن العدسة (والتلسكوب العظيم) أوصل عالمنا إلى ألف مليون سنة ضوئية(24)، وفي المآل اكتشفت ملايين المجرات الجديدة التي يبتعدُ بعضها عنّا ستمائة مليون سنة ضوئية، وبعضها سبعمائة مليون وبعضها تسعمائة مليون وبعضها ألف مليون سنة ضوئية وهذا النور الذي يشرق الآن على عدستنا ويظهر صورة المجرة قطع مسافة الف مليون سنة ضوئية حتى وصل إلى الارض.
وخلف ذلك الحد الذي يبتعد عنا بمقدار ألف مليون سنة ضوئية هناك فضاء عظيم ورهيب ومظلم لا يرى فيه اي شيء... لا يعبُر منه أيُ ضوء تتأثر به صفحة مصوِّر عدسة المرصد، ولكن ومن دون شك ثمة في ذلك الفضاء الرهيب المظلم مئات الملايين من المجرّات التي تحفظ بقوة جاذبيّتها العالم الذي في هذا الجانب (أي عالمنا الذي يقع في هذا الطرف على بعد ألف مليون سنة ضوئية) لأنه إذا لم تكن هناك عوالم واسعة وعظيمة ورهيبة تحفظ بقوة جاذبيتها عوالم هذا الطرف لكانت جميع دُنى وعوالم هذا الجانب تزول مثل قشة في مهبّ العواصف والرياح الشديدة وتنهار دفعة واحدة، لأن القوة الجاذبة (الجاذبية) وحدها هي التي تحفظ هذه العوالم بعضها البعض لكون كل واحد منها جاذباً ومجذوباً(25).
ومن جملة التحقيقات الطريفة التي عرضها هذا العالم المحقق هو أنّ في فضاء ذلك الحدّ الذي يبتعد عنا بألف مليون سنة ضوئية فضاء رهيب ومظلم لا يرى فيه أي شيء مضيء، وهذه القضية هي الاُخرى من أسرار القرآن العلميّة التي أعلن عنها القرآن الكريم قبل اربعة عشر قرناً.
(إنا زَيَّنا السماءَ الدُّنيا بزينَةٍ الكواكب)(26).
إن مشهد النجوم والكواكب الساحر وتلألؤها الجميل وبخاصة في ليالي الصيف المظلمة، لمشهد جميل وخلاب، ولكن حسب رؤية القرآن تختص هذه النعمة بالسماوات لا جميع الكرات، لأن وصف السماء الدنيا بالزينة مشعر بأنّ هناك عالماً، وكرات أُخرى ولكن من دون كواكب وهذه العوالم مظلمة، وقد أخبر القرآن عن هذه الحقيقة يوم لم يكن هناك نظرية أو فرضية، ولذلك يمكن اعتبار ذلك من أسرار القرآن العلمية ومعجزاته القطعية.
وفي الختام ينبغي أن أكرر أنا أيضا ما قاله رئيس مرصد (بالومار) إذ يقول: ومع ذلك فإنني غير واثق بأن لا يكون وراء فضاء العالم الثاني، عالم آخر، إذن لا بد أن نطأطىء رؤوسنا تعظيما أمام العلم الذي هيأ فكرنا إلى هذه الدرجة لاستيعاب عظمة هذا العالم، والخالق الذي خلق العالم.
(1) سورة الشعراء: 7.
(2) (اهتزّت وربت وأنبتت من كلّ زوج بهيج). (الحج: 5).
(وأنزلنا من السماء ماءً فأنبتنا فيها من كل زوج كريم) (لقمان: 10).
(وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج) (ق: 7).
(ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين أثنين) (الرعد: 3).
(سبحان الذي خلق الازواج كلها مما تنبت الأرض) (يس: 36).
(وأنزل من السماء ماءً فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتّى). (طه: 53).
(3) (ومن كل زوج معناه من كل نوع) (مجمع البيان 7: 184).
(4) المفردات للراغب (زوج).
(5) مجمع البحرين (زوج).
(6) (وارسلنا الرّياح لواقح). (الحجر: 22).
(7) 1707 ـ 1778م.
(8) تاريخ علوم: 401 (ترجمة صفاري) ط / طهران، 1349ش.
(9) الذاريات: 48.
(10) 1862 ـ 1949م.
(11) التكوير: 1 ـ 2.
(12) المفردات للراغب.
(13) مجمع البيان 10: 442.
(14) المرجع نفسه.
(15) مجمع البيان 10: 443.
(16) الانفطار: 1 ـ 2.
(17) مجمع البيان 10: 448.
(18) 1473 ـ 1543 م.
(19) تاريخ علوم: 194، ط / طهران 1329.
(20) صفحه آسمان (بالفارسية) (صفحة السماء): 66.
(21) الرعد: 2.
(22) مجمع البيان 5: 274.
(23) بطليموس منجّم وفلكي يوناني معروف (90 ـ 168 م)
(24) السنة الضوئية عبارة عن الفاصلة التي يقطعها النور بسرعة ثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية خلال عام واحد، وحيث إنّ النجوم تبتعد عنّا كثيراً، ولهذا فإن المقاييس التي نمتلكها لا تكفي لبيان مقدار المسافات العظيمة هذه، ولذلك توصّل اصحاب النجوم والمختصون في هذا المجال بالمسافة التي يقطعها النور في السنة لتعيين مدى الفواصل بين الانجم والكواكب وجعلوه الوحدة التي يتمّ على ضوئها الحساب في هذا الصعيد وأطلقوا على هذه الوحدة اسم السنة الضوئية.
(25) صفحه آسمان: 68.
(26) الصافات: 6.