من المعجم الموسوعی لألفاظ القرآن الکریم (1)

پدیدآورعبدالحسین محمدعلی البقال

نشریهتراثنا

شماره نشریه6

تاریخ انتشار1389/02/15

منبع مقاله

share 1035 بازدید
من المعجم الموسوعی لألفاظ القرآن الکریم (1)

عبدالحسین محمد علی البقال
بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین ، والصلاة والسلام على رسوله الامین ، وآله الطیبین ، وصحبه المنتجبین...
وبعد ؛ ...
فالبحث هنا نأتی علیه من خلال :
أولا : المقدمة
ـ 1 ـ
إن لغتنا الرسالیة هی لغة حیة معطاءة ؛ ولیس بکثیر علیها إذا قلنا عنها : إنها تضاهی سائر اللغات العالمیة ، إن لم تکن ـ کما هو الواقع ـ السباقة والرائدة من بینها.
لغتنا ؛ وارید بها تلک العربیة المبینة التی تخصنا نحن المسلمین قاطبة ، المجتمعین على رفع رایة ، لا إله إلا الله ، محمد رسول الله.
نعم ، لغتنا ، وهی کلمة الرب إلى جمیع عباده ؛ فی قرآنه المبین وسُنّته الشریفة ، والروائع من نهج أئمّة أهل بیت رسوله الأمین ، وصحبهم الصلحاء المتقین.
اللغة النظامیة الانسانیة ؛ الشاملة شمول وعموم ودقة ونظامیة وکونیة الدین الحنیف ، الذی یسقی الحیاة حیاة سعیدة ، بفیض کؤوسه ودیمومة دوالیه.
ـ 2 ـ
وهی بعد کذلک ، رموز الفطرة ، وإشارات الخلجات النفسیة ، فعبارات الروابط الاجتماعیة ، إلى کونها مصطلحات فی مختلف مجالات العلاقات الدولیة ؛ بل ، وإلى شتى الشؤون العالمیة.
هی تاریخ حکایة العقیدة والعاطفة ، الروح والجسد ، فی سلوکاتها المرئیة وغیر المَرئیة ؛ صائرةً بین الخوف والرجاء ، من الله وإلى الله ؛ ثقة واطمئنانا ؛ حُبّاً ووفاء ، التزاما وتضحیة ؛ سعادة وخلودا.
هی قصة الحضارة والمدنیة ، ومفردات الصیاغة القانونیة ، فی جمیع المیادین ، وسائر التطبیقات.
بل ، هی حروف التربیة المسؤولة ، وسطور الاقتصاد المتکافىء ، وتعابیر السیاسة الدعائیة ، وغیرها من بقیة الظواهر الحیاتیة.
ـ 3 ـ
ألیست هی لغة الانسان الرسالی ؛ اللغة الاممیة الخالدة خلود شرائع الاسلام ، الهدیة الناطقة بعظمة مهدیها ، والمنزلة إلى خلیفته فی الارض ، الذی یفترض فیه أن یکون بمستوى آمالها ؛ ثم له بعد أن یبدع بجدید المعانی ، على ضوء من مواصفاتها ومجازاتها...
ألیست هی لسان حال الثوار ، إسماعیل وهود وصالح ، محمد وخدیجة ، علی وفاطمة ، سمیة وعمار ، زینب والحسین ؟ !
وهل من شک ، فی أنها هی هی أصوات سائر المناضلین الاحرار ؛ المدویة من أجل : إحیاء المثل والقیم ، وتحقیق کرامة بنی الانسان.
ـ 4 ـ
فیا للغة القرآن من لغة بناءة ـ إن هی ترکت کما ارید لها ـ : وفیة بشفاء الصدور ، ثریة بإعمار القلوب ، ندیة بترانیم الحب ، زخارة بأسباب الوحدة والتوحید ، حنیة بتطبیب النفوس.
وما أروعها من وسیلة بیان ،...
ما أدراک بها من وسیلة ، الضرورة تقضی بلزوم فهمها ومتابعتها ؛ ثم وجوب اتحاد النطق تحت لوائها.
ولکن ، ینبغی أن یفهم ومنذ البدایة ؛ أن لا تنافی فی الوقت نفسه ، بین وجوب الالتزام بها ، ووجوب مراعاة الخصوصیات الاقلیمیة والقومیة وغیرهما ، لتلک اللغات الانسانیة المتوارثة من عداها ، طالما لاتتعارض ومبادئ ، خاتمة الادیان.
وکیف لا یجب احترام تلک المتوارثة ؛ وهذا القرآن الکریم نفسه بین أیدینا یعد التاریخ الصادق ، لما جاء فیه ـ على قول لیس بالخفی ـ من نماذجها.
أجل ، بورکت لغتنا ، نحن المسلمین کل المسلمین ، شعوباً وقبائل ، عربا وغیر عرب ، ما کان هناک مکان ، وأنى بقی فی البین زمان.
ـ 5 ـ
وأما المنهج الذی سوف نتبعه فی فهرسة مواد هذا المعجم ؛ فهو باختصار : الاخذ بالترتیب المزدوج : الاشتقاقیّ منه ، والهیئتی.
هو الترتیب الاتی على کلا الحسنین ؛ بأن یفهرس المفردات لاجل دراستها ، ولکن بحسب جذور أسرها الاشتقاقیة ، وبذلک یحفظ للکلمة کینونیتها العائلیة.
ویفهرس الهیئات مجرّدة ، محالة ـ کما هی ـ على موادّها ، بحسب صورها الظاهریة ، وبذلک یتیسّر استخراجها ومعرفة اُصولها بنقلة واحدة ، وخاصة تلک الغربیة الاشتقاق منها ، کماهو الحال مثلا فی طائفة من مفردات افتعل ، اضطرب واضطهد...
ـ 6 ـ
وأما الکلمة المنتخبة ، التی سنخصص لها حلقتنا هذه ؛ فهی : أرائک.
من حیث اشتقاقها ؛ باعتبارها مشتقة ، مع تحدید مادتها ، حسب موازین الصرف والصرفیین.
ومن حیث معانیها فی اللغة ، ثم فی القرآن والحدیث ؛ ومن ثم الکیفیة فی توحید تلک المعانی.
وهکذا ، إلى کل ما هو متیسر فی مقدورنا من بحث جوانبها ، وبحدود اطلاعنا من مصادرها ؛ والله من وراء القصد.

ثانیا : الأرائک

ونأتی علیها من خلال الحقول الاتیة :

الحقل الاول

فی : آیاتها المبارکة

حیث قد وردت فی سورة : أ. الکهف ، آیة : 31 ، ب. یس ، آیة : 56.
ج. الأنسان ، آیة : 13 ، د . المطففین ، آیة 23 ، 35

الحقل الثانی

فی : المقصد والمستعمل منها

حیث لم ترد مع الارائک ، من بقیة المشتقات من اُسرتها ؛ غیرها.
کذلک ؛ فإن لفظ الارائک ، قد ورد فی القرآن الکریم خمس مرات فقط ؛ وهی جمیعا فی وصف أهل الجنة (1).

الحقل الثالث

فی : الصرف ووجه التسمیة

ـ 1 ـ
هکذا وردت بصیغة الجمع ، لمفردة « أریکة » (2) ؛ وهی التی على زنة
فعلیة ، مؤنث فعیل ؛ من الفعل : أرک بالمکان یأرک : أقام به (3).
وقد تجمع : على : اُرک ؛ کما یقال : سفینة وسفائن وسُفنُ (4) ؛ وقد تجمع أیضا على : أریک (5).
ـ 2 ـ

ووجه التسمیة :

إما لکونها فی الارض ، متخذة من أراک. وهو شجرة.
أو لکونها مکانا للاقامة ؛ من قولهم : أرک بالمکان اروکاً ؛ وأصل الاُروک الإقامة على رعی الأراک ، ثم تُجُوز به فی غیره من الاقامات (6).

الحقل الرابع

فی : قائمة المعانی

وهی کما یلی :
أولا : الوسادة بلحاظ الاریکة ؛ والوسائد بلحاظ الأرائک (7).
وقیل : الطنفسة أو الوسادة ، وفُسّرت الطِنفَسَةُ بـ : البِساط (8).
ثانیاً : کلُّ ما اتکىء علیه (9).
أو بتعبیر : کل ما یُتّکأ علیِه ، مِن مِسوَرة وغیرها (10).
أو بتعبیر : کل ما اتکئ علیه ، من سریر أو فراش أو مِنَصَّة ؛ وفی الحدیث :
« ألا هل عسى رجل یبلغه الحدیث عنی ، وهو متکىء على أریکته ، فیقول : بیننا وبینکم کتاب الله » (11).
ثالثا : السریر ، بلحاظ الاریکة ؛ والاسرة ، والاسرة ، بلحاظ الارائک (12).
قال ذو الرمة :
خدود جفت فی السیر حتى کأنما * یباشرن بالمعزاء مس الأرائک (13)
وجفت ، أی : خَشُنَت وصَلُبَت.
والمعزاء : الارض الغلیظة ، فیها حَصَى (14).
یقول : من شدة الحاجة إلى النوم ؛ یرون الارض الصلبة ذات الحجارة مثل الفرش على الارائک ـ وهی : السرر ـ ؛ ویروى : « خدودا » ، على أنه مفعول لفعل فی البیت قبله (15).
رابعاً : مقعد منجد یجلس علیه ، ویکون محوطا بالستائر والزینة (16).
خامساً : الفرش فی الحجال.
أو بتعبیر : الفرش فوق الاسرة (17).
سادساً :
أ ـ سریر فی حجلة.
أو بتعبیر : السریر فی الحجلة ؛ أو : الاسرة فی الحجال ؛ أو : سرر فی الحجال ؛ أو : السریر فی الحجلة ؛ من دونه ستر ؛ ولا یسمى منفردا أریکة (18).
یقول ابن فارس : سمعت علی بن إبراهیم القطان ، یقول : سمعت ثعلبا ، یقول :
الاریکة لا تکون إلا سریرا منجدا فی قبة ، علیه شواره ونجده (19).
ب ـ الحجال فیها الاسرة (20).
ج ـ وهذه التعابیر ، فی« أ » و « ب » ، کلها تؤول إلى مؤدى واحد ؛ تتحد فیه : فی وسطه « فی » ؛ ثم تتوزع بعد ذلک ، لتتبادل المراکز فی طرفیه ، فی مقومیه « السریر » و « الحجلة ».
وهذه المداعبة فی الالفاظ ـ إن صح مثل هذا القول ـ ؛ ولعلها من قبیل کون الحرکة والاتجاه :
تارة من السریر ـ وهو الداخل فی ـ ، یمشی برجلیه إلى الحجلة ـ وهی المدخول ـ فیها ـ وتارة من الحجلة ـ وهی المدخول فیها ـ تقبل بوجهها على السریر فی مکانه ، ـ فتحتضنه لیدخل فیها.
بل ، لعله من حیث التقدیم والتأخیر ؛ من قبیل ما فی التعبیر القرآنی ـ وما أروعه ـ :
«... متکئین على سُرٌر مصفوفة... » ؛ فی سورة الطور ؛ آیة : 20.
«... سررا علیها یتکئون... » ، فی سورة الزخرف ؛ آیة : 34.
نعم ، فبورکت من حجلة مسّراتٍ ، على اسم الله ، وباسمِ الله ، وفی حُبّ الله.
نعم ؛ وعندها یحلو القولُ : أریکة ویا لک من أریکة ، فی شرعة التقى والنُهى.
د ـ وأما الحجلة ـ بالتحریک ـ ؛ فهی : « بیت کالقبة یستر بالثیاب ، وتکون له أزرارُ کبار ؛ وتُجمَعُ على حِجال ».
وأما الاعشى ، فقد أنشد :
بین الرواق وجانب من سترها * منها وبین أریکــة الانضــاد
أی : السریر فی الحجلة (21).
والانضاد : جمع نضد : وهو ما یوضع علیه الثیاب (22).
سابعاً :
أ ـ الحجال على السرر (23).
یقول ابن فارس : « الاریکة : الحجلة على السریر ، لا تکون إلا کذلک » (24).
ب ـ السُرُر علیها الحجال (25).
ج ـ وأغلب الظن : أن التوجیه هنا ، لما بین تعبیری « أ » و « ب » ، من تقدیم وتأخیر ؛ هو من قبیل ما ذکر ، فی رقم « سادساً » السابق.
ولعله یراد به فی« أ » : جلب الانتباه إلى الحجال ، لحکمة اقتضته مهمة الکاتب.
ولعله یراد به فی « ب » : لفت النظر إلى السرر ، لغایة فی نفس یعقوب ، کما یقولون.
د ـ وأما الطرفة بین تعبیر : « السرر فی الحجال » ؛ وتعبیر « الحجال على السرر » فیما أحسب...
نعم ، فالامر فیما یبدو من قبیل : الفرق بین البناء العمودی ، والبناء الافقی ، من قبیل : الشقق فی عمارة ، والبیوت متجاورة.
بلى ، هو من قبیل : داخل ومدخول فیه ، فی خط افقی.
وفوق وتحت ، فی خط عمودی.
هـ ـ ثم إن الشیخ الطوسی ـ رحمه الله ـ قال : « الحجلة ؛ کالقبة على الاسرة » (26).
بینما الشیخ الثعالبی یقول : « ولا یقال : أریکة ؛ إلا إذا کان علیها حجلة ؛ وإلا ، فهی سریر » (27).
کما قال نفسه أیضا : « فصل فی السریر... ؛ فإذا کان للعروس وعلیه حجلة ، فهو أریکة » (28).

الحقل الخامس

فی : هویةالکلمة

ـ 1 ـ
قیل : إن لفظ الارائک من کلام أهل الیمن ؛ حیث نقل عن الحسن البصری قوله : « کنا لا ندری ما الارائک ، حتى لقینا رجلا من أهل الیمن ، فأخبرنا : أن الاریکة عندهم : الحجلة فیها سریر » (29).
ـ 2 ـ
وذکر السیوطی : أن ابن الجوزی حکى فی کتابه « فنون الافنان فی علوم القرآن » : ان الارائک هی السرور بالحبشیة.
ونقول : إنه لیس فی حبشیة شیء من ذلک (30).
ـ3ـ
وقال یعقوب بکر : ویزعم جفری : ص 53 : أن لفظ الارائک من أصل إیرانی « مفقود ».
ولکن ؛ « مادة أرک » ، التی اشتقت منها « أریکة » ، « عربیة سامیة » (31).
ـ 4 ـ
وأقول : هی عربیة.
وذلک ، لوجود جذرها واشتقاقاتها ومصادیق خارجیة لهیئاتها ومعانیها ، کما أسلفنا فی ذکر البعض منها.
علما ؛ بأن قولنا هذا ، لا یتنافى وکونها مستعملة یمانیة وحبشیة ؛ وحتى فارسیة ـ هذا على فرض صحة ما استدل به علیها ـ.
حیث أن هجرة اللغات وتزاوجها ، هو أمر واقع منذ القدم فی التاریخ ، وحتى یومنا الحاضر.
کما أن له من واقعنا المعاصر ، أکثر من مثالٍ ومثالٍ ومثال.
ـ 5 ـ
هذا ، إذا لم نذهب مع من یقول : إن اللغة العربیة منشأ اللغات الحیة ، کل اللغات.
وأما على مقولة من یقول : إن إسماعیل وإسحاق ، رجلی اللغتین ـ والحدیث هنا عنهما ـ العربیة والفارسیة ؛ هما ولدا الخلیل (علیهم السلام) وإن خلیل الله نبی عربی ؛ فالمسألة عندئذ بمثل هذا الرجوع التاریخی محلولة.
ـ 6 ـ
وبالمناسبة ، فإن فی النفس شیء من مقولة البصری ـ إن صح النقل عنه ـ : « کنا لا ندری... ». حیث أنی أعتقد : أن الدرایة فی لغة القرآن ، وروایة کل ما یمت لها بصلة ؛ حصلت تامة شاملة ؛ فی زمن الرسول نفسه (صلى الله علیه وآله وسلم).
نعم ، کونها غامت ، أو حصل لها ما یحجبها ، فتلک مسألة اخرى.
ولکن ، من جهة ثانیة ، الامر جد بسیط وسهل ، إن هو بُحث عنه عند الاخذین بحجزة من لا ینطق عن الهوى ، وخاصة عند أئمّة العصمة (علیهم السلام).
وهم جمیعا بلا شک موجودون ؛ والبصری ـ وأمثاله ـ لا یخفى علیه ذلک ، إن صدق ما نسب إلیه.

الحقل السادس

فی : توحید الاصول

والبحث فیه بحث عن :

أ ـ مقولة ابن فارس

قال ابن فارس : « الهمزة والراء والکاف : أصلان ؛ عنهما یتفرع المسائل :
أحدهما : شجر
والاخر : الاقامة » (32).
وقال أیضا : « ... الاصل الثانی : الاقامة ؛ حدثنی ابن البستی ، عن ابن مسبح ، عن أبی حنیفة ، قال :
جعل الکسائی : الابل الاراکیة ؛ من الاروک ، وهو : الاقامة.
قال أبو حنیفة : ولیس هذا مأخوذاً من لفظ الاراک ، ولا دالا على أنها مقیمة فی الاراک خاصة ، بل ، هذا لکل شیء ، حتى فی مُقام الرجل فی بیته ؛ ( یقال : منه « أرک یأرک ویأرک اُروکا ؛ وقال کُثیّر فی وصف الظُعنُ :
وفوق جمال الحی بیض کأنها * على الرقم أرآم الاثیل الاوارک
والدلیل على صحة ما قاله أبوحنیفة ؛ تسمیتهم السریر فی الحجلة : أریکة » (33).

ب ـ مقولة الراغب الاصفهانی

قال الراغب : « وأصلُ الاُروک : الاقامة على رعی الأراک ؛ ثم تُجُوَزَ بهِ فی غیره من الاقامات » (34).

ج ـ مقولة الدکتور یعقوب بکر

قال الدکتور : وتدل مادة « أرک » على معنى الطول ، فی کثیر من اللغات السامیة ، ونلحظ هذا المعنى فی هذا الجزء من مادة « أرک » کما أوردها صاحب اللسان : « أرک الرجل بالمکان یأرک ویأرک اروکا ، وأرک أرکا ؛ کلاهما : أقام به.
وأرک الامر فی عُنقُه : ألزمهُ إیاه » ، فلعل معنى الطول لوحظ فی الاریکة بالمعنى المذکور ، فهی مبسوطة ممدودة (35).
کما یعقب على تعلیل الراغب الاصفهانی : «... أو لکونها مکانا للاقامة » ؛ یعقب بقوله : « والاقامة کما قلنا فیها معنى الطول » (36).

د ـ مع الدکتور وطول الاقامة

وأقول : إنی وإن کنت أتفق والاستاذ الدکتور ، من حیث التأصیل إلى المعنى الواحد.
بید أنی أعتقد : أن المصیر إلى « إقامة » ، هو أدلّ معنى وأکثر واقعیةً وأشدّ جاذبیة وحیویة.
ناهیک عن ضرورة مراعاة المفهومیة ، فی الصیرورة إلى معنى الطول ؛ حیث هی تتّسع فی أبعادها للطول وغیره ، کما سنرى.
بل ، وهذا البعد یُفهم کذلک من نفس نصّ الدکتور ؛ حیث یقول : « والاقامة کما قلنا فیها معنى الطول ».

هـ ـ مقولة المصطفوی

قال الاستاذ : « والذی یظهر من هذه الکلمات ، ومن موارد استعمال هذه المادة :
أن الاصل الواحد فیها : هو الاقامة والسکون ؛ والاریکة ـ فعیلة ـ : ما یقام ویهیأ ؛ ـ کالفریضة : لما یُفرض من الحکم والصدقة ؛ والسکینة : لما یُسکَن من الوقار والطمأنینة ؛ والحدیقة : لما یطاف ویحاط.
ومن هذا المعنى ؛ ما یقام ویهیأ ویزین للعروس ، حتى تقوم فیها ما کانت عروساً.
فهذا المعنى یشمل مجموع ما یهیأ بهذا المنظور ؛ من السریر والفرش والکرسی والبساط والستر ؛ ویُعَبّر عنها بالحَجَلة ؛ فتخصیصُ الاریکة بالسریر أو بالبساط أو الفراش أو غیرها ، غیر وجیه.
ولا یبعد أن یکون الاراک : وهو الشجر الذی یُستاکُ بفروعه وأطیب ما رعته الماشیة ، أیضا مأخوذاً من هذا المعنى.
فاللفظ فی الاصل ؛ کان صفة على وزن جبان.
أو مصدرا ؛ ومعناه : المقیم الساکن ؛ باعتبار کون الشجرة خضراء ناعمة ، ـ کثیرة الورق والاغصان ؛ أو باعتبار إقامة الناس عندها لاتخاذ المساویک ، والماشیة ـ للرعی ؛ فهو بمعنىالمفعول » (37).

و ـ کلمة تعقیب

وحیث أن الصیاغة فارسیة بعض الشیء ، فی نص الاستاذ المصطفوی ؛ فلذا جاء کلامه مغلقا إلى حد ما ، ...
ذلک أن عبارة : « هو الاقامة والسکون » ؛ یبدو من الافصح أن تکون « الاقامة والسکنى ».
وعبارة : « حتى تقوم فیها » ؛ تبدل إلى : « حتى تقوم فیه ».
وعبارة : « بهذا المنظور » ؛ تبدل إلى : « بهذا المنظار ».
وعبارة : « غیر وجیه » ، تبدل إلى : « ترجیح من غیر مرجح ».
وعبارة « وأطیب ما رعته الماشیة » ؛ إلى : « وهو أطیب ما رعته الماشیة ».
***

الحقل الاخیر

فی : الرأی المختار

وأستعرضه من خلال ما یأتی :
ـ 1 ـ
ومن البدایة ؛ حیث المبحوث عنه :
أصلان ؛ کما هو الحال عند ابن فارس ؛ والذی هو بحدود اطلاعی ـ : الرائد لفکرة تأصیل المفردات ، على مستوى معجمی :
وأصل واحد ؛ کما یستشف من کلام الدکتور یعقوب بکر ، وإن کان بمعنى الطول فیما یرى.
وأصل واحد ؛ کما هو الحال عند المصطفوی ، والذی هو ـ بحدود اطلاعی أیضا ـ أول من یوحد بین ذینک الاصلین ، المنقولین عن ابن فارس.
وحقیقة ومجاز ؛ کما یفهم من قول الراغب الاصفهانی ، باعتبار : أن الاقامة هی الاصل ، وما عداه تُجُوَّزَ به.
هکذا یبدو.
ـ 2 ـ
ویبدو لی : أن الوسط ؛ وهو الذی یذهب إلى کون الاصل واحدا ؛ هو الاضبط.
کما وأنه بتعبیر آخر : یرادف الحقیقة.
ـ 3 ـ
نعم ، الحقیقة تکمن فی البدایة ، وهی الاصل.
نعم ، تبدأ من ـِـُ : أرک اروکا.... ، فی معنى : الاقامة.
ثم صارت إلى المشتقات...
ثم تجسدت شعارا فی الشجر الاراک ، تحمل حروف الفعل ، الشجر ذی المواصفات المعینة : باعتباره عاملا مساعدا ومشجعا على السکنى والاستقرار ولو وقتیا.
وذلک ، نظرا لاهمیته الخاصة ، فی سکن الانسان ، وانتفاعه منه صحیاً ومعیشیاً ؛ وبالخصوص ، فی وسطٍ صحراوی قاحل ، بساطُه الرمضاء ، وضلاله الشمس المحرقة ، ونسیمه السموم اللاهبة.
أجل ، تکون فیه مثل هذه الشجرة المسواک ، الوارفة الضلال نسبیا ، ما أعزه وأثمنه من مسکن یقام فیه ، طلبا للراحة ، ومأکلا للراحلة.
وهل یقوى البدوی فی صحرائه على الاقامة ، فی غیر الاراک ، وفی أرائک الاراک ؟!
ـ 4 ـ
وهکذا انتقلت عدوى الاقامة ؛ من فعل الاراک ، إلى شجر الاراک ، إلى کل أریکة یستریح إلیها الانسان ؛ کل حسب ظروفه المادیة ، ومقوماته الحضاریة ، وعاداته البلدیة.
فأریکة الفقیر غیر أریکة متوسط الحال ، وهی عند متوسط الحال غیرها عند الثری.
ثم هی فی الصحراء غیرها فی الریف ، وفی الریف غیرها فی المدینة ؛ بل ، هی المدن ذاتها تتفاوت فی أرائکها.
ناهیک عن دور الذوق ، وبلهنیة العیش ، ونفس ساکن الاریک فی إقبال الدنیا علیه.... ، کل له مدخلیته فی التنویع ، والتزویق ، والتجمیل.
فأریکة المحبوب غیر أریکة السلطان.
وأریکة التقی غیر أریکة الشیطان.
وأریکة الجائع غیر أریکة الشبعان.
وأریکة الاراک غیر أریکة الارضین « ما بین صنعاء إلى أیلة وما بین عدن إلى الجابیة » (38) فی تراث الاقدمین.
وأریکة الارضین غیر أریکة جنان الخالدین ؛ فتلک لئن کانت مصنوعة ـ وربما کان أصل سریرها من الاراک ـ من الخشب والفرش والثیاب...
فإن هذه المعدة للمؤمنین المتقین ، معمولة من الذهب ؛ وهی مکللة بالدّر والیاقوت...(39).
ـ 5 ـ
لیس هذا فقط ؛ مصادیق حسیة ومعنویة ، على تنویع الارائک ، بعد استفادة معنى الاقامة منها.
وإنما الاقامة تستفاد من نفس الصیغة ؛ حیث أن صیغة فعیل ، هی واحدة من الصفات التی استعملتها العرب ، وأقرها القرآن الکریم ، وأنها تعنی فیما تعنی : الدلالة على ثبوت النسبة.
طبعا ، الاقامة المستفادة هنا هی : الاقامة المکانیة.
ـ 6 ـ
وهکذا نعود إلى عالم المعانی.
فبلحاظ الوسادة والفرش والسریر ؛ فإطلاق الاریکة علیها ، من باب إطلاق الکل على الجزء.
وبلحاظ « السریر فی الحجلة » فإن إطلاق الاریکة علیها ؛ إنما هو من حیث کون العلاقة بین « السریر » و « الحجلة » هی علاقة داخل ومدخول فیه.
وبلحاظ « الحجلة على السریر » ، فإن إطلاق الاریکة علیها ، إنما هو من حیث کون العلاقة بین « الحجلة » و « السریر » ، هی علاقة فوق وتحت.
ـ 7 ـ
ثم هی الاریکة ؛ إن هی نظر إلیها ، بلحاظ فعل الاروک ، الذی استعمل فی إرادة الاقامة حقیقة.
فهی من قبیل المجاز « المحقق » ، إن جاز مثل هذا التعبیر ؛ بمعنى : أنها صیرت حقیقة ، بعد ما کانت أساسا مجازا ، حیث هی أحد مصادیق طیب الاقامة.
وعلیه ؛ فالفرق بین أریکة المجاز المحقق ، وفعل اروک الاقامة ؛ إنما هو من قبیل الفرق بین المفهوم والمصداق ، کما هو متعارف بین الاصولیین والمناطقة.
لیس هذا فقط ؛ وإنما وصل الحال عند من یعیش عیشة الارائک ، أن اضرب عنده عن ذلک المعنى المجازی ونسی ؛ بل ، تسنم مرتبة الحقیقی ؛ بینما ذلک الفعل الحقیقی ، تسافل مع الایام عن واقعه الاصلی ، لیعیش غریبا فی ذمة التراث.
ـ 8 ـ
وأما المعنى المجازی ، فی أرائک القرآن الکریم ، تلک التی اعدت للمتقین ، فهو الذی سیصار به إلى حقیقة الحقیقة.
وهذا هو بیت القصید ؛ حیث یرکز کتاب الله ، على ذلک الحلم ، الذی سیکون حقیقة ، فتکون الارائک حیالها :
أرائک ؛ نعم الثواب...
أرائک ؛ لم شمل الاحبة...
أرائک ؛ نظرة النعیم...
أرائک ؛ لاشمس ولا زمهریر...
أرائک ، استعراض التثویب...
بل ، تلک هی الارائک المطمح ؛ والتی تتصاغر عندها أرائک الملوک وأرباب الملوک وحفدة الملوک ، ومن تشبه بهم...
وتنکسف قبالها : کل الالوان المبهرجة ، والاضواء المزیفة ، کل ما یمت إلى هذه الحیاة ـ أعنی غیر المشروعة ـ الدنیا بصلة.
فتستریح عندها الاوردة المذبوحة ظلما ، والقلوب المتعبة قسراً ، والکرامات المهدورة تجبّراً ، والاعصاب المرهقة عدواً.
وإنما هی ظلال ونسائم وأحادیث الحبیب.
وعندها یحلو وصل الحبیب ، حبیب الرحمن.
فتحقق کلمات السلام.
فکل الوجود یصفق لارائک السلام ویقول :
یا سَلام !
للبحث صلة...

الهوامش

(1) ینظر : دراسات مقارنة فی المعجم العربی : 18 ، تألیف الدکتور یعقوب بکر ، جامعة بیروت العربیة ، سنة 1970 م.
(2) ینظر : معجم الفاظ القرآن الکریم : م 1 ص 36 .
(3) ینظر : معجم الالفاظ والاعلام القرآنیة : ص36 ، ومجمل اللغة : 1|181 ، وأساس البلاغة : ص 5 .
(4) ینظر : التبیان : 8|468 ، والجامع لاحکام القرآن ـ تفسیر القرطبی ـ : 15|44.
(5) ینظر : دراسات مقارنة فی المعجم العربی : ص 18.
(6) معجم مفردات ألفاظ القرآن ـ مفردات الراغب الاصفهانی ـ : ص 12 ؛ وینظر : التحقیق فی کلمات القرآن ـ الکریم : 1|59 ، وفیه : « ... من الاوقات » ، وهو تصحیف.
(7) ینظر : التبیان : 8|468 ، ومجمع البیان : 8|429.
(8) التحقیق فی کلمات القرآن الکریم : 1|58 ـ 59.
(9) الغریبین للهروی : 1|40 ، ومجمع البیان : 8|429.
(10) التبیان : 10|213 ، ومجمع البیان : 10|410 ، والمسورة : التی یتکأ علیها ، کما فی فقه اللغة وسر العربیة ـ للثعالبی ـ : ص 249 .
(11) النهایة فی غریب الحدیث والاثر : م 1 ص 40 ؛ وینظر : معجم ألفاظ القرآن الکریم : م 1 ص 36.
(12) التبیان : 7|40.
(13) المصدر نفسه : 7|40 ، و 8|468 ، وینظر : دیوان ذی الرمة : ص 442 ، ومجازالقرآن : 1|401 ، وتفسیر ـ الطبری : 15|148 ، ومجمع البیان : 6|466.
(14) التقفیة فی اللغة : ص 46.
(15) الجامع لاحکام القرآن : م 10 ح 19 ص137 (الهامش).
(16) معجم الالفاظ والاعلام القرآنیة : ص 36.
(17) ینظر : التبیان : 7|40 ، ومجمع البیان : 10|410 ، والجامع لاحکام القرآن : م 5 ح 10 ص 398.
(18) ینظر : معجم مقاییس اللغة : 1|84 ، والغریبین : 1|40 ، والتبیان ، 7|40 ، و 10|213 ، والنهایة : 1|40
(19) مجمل اللغة : 1|181 ، وینظر : الصاحبی فی فقه اللغة : ص 98.
(20) مجمع البیان : 10|410.
(21) النهایة : 1|346 ؛ وفی دیوان الاعشى ، القصیدة 16 ، البیت الرابع.
إلا أنه ینبغی أن یعلم : أن المطبوع فی کلا المصدرین : «.. من سیرها منها ».
وهو تصحیف ، قد تنبه له الدکتور یعقوب بکر ؛ حیث قال فی کتابه « دراسات مقارنة فی المعجم العربی » ص 19 :
« الرواق : مقدم البیت. الانضاد : جمع نضد : وهو ما نضد من متاع : أی ما جعل بعضه فوق بعض. سترها : ـ ستر الحبیبة. فیها : فی الخیمة.
وفی المطبوع : (من سیرها منها) ، وقد أصلحناه کما ترى ».
ینظر : التبیان : 7|40 ، ودیوان الاعشیین ـ طبع بیانه ـ : ص 344 ، وتفسیر الطبری : 15|148 ، ومجاز القرآن : 1|401.
(22) ینظر : فقه اللغة وسر العربیة ـ طبع البابی الحلبی ـ : ب 23 ف 18 ص 250 ، والنهایة فی غریب الحدیث والاثر : 5|71 ، ومعجم مفردات ألفاظ القرآن : ص 517.
(23) التبیان : 8|468.
(24) مجمل اللغة : 1|181.
(25) مجمع البیان : 8|429 .
(26) التبیان : 10|302.
(27) فقه اللغة وسر العربیة : ب 3 ق 1 ص 50.
(28) المصدر نفسه : ب 23 ف 18 ص 250.
(29) الصاحبی ـ طبعه الشویمی بیروت 1964 م ـ : ص 58.
(30) ینظر : الاتقان فی علوم القرآن : 1|137.
(31) دراسات مقارنة فی المعجم العربی : ص 19.
(32) معجم مقاییس اللغة : م 1 ص 83.
(33) المصدر نفسه : م 1 ص 84 .
(34) معجم مفردات ألفاظ القرآن : ص 12.
(35) دراسات مقارنة فی المعجم العربی : ص 19.
(36) المصدر نفسه .
(37) التحقیق فی کلمات القرآن الکریم : م 1 ص 59 ـ 60 .
(38) الجامع لاحکام القرآن : م 5 ح 10 ص 398
(39) ینظر : المصدر السابق نفسه ، والتبیان : 10|302 .

مقالات مشابه

قاموس شناسی و تحلیل واژگان قرآن

نام نشریهبینات

نام نویسندهسیدمحمدحسن جواهری

بررسی فرهنگنامه قرآنی

نام نشریهحسنا

نام نویسندهاعظم فرجامی

معرفی اولین معجم افعال قرآن

نام نشریهبینات

نام نویسندهسیدرضا نجفی

مقایسه دو فرهنگ قرآنی

نام نشریهآینه پژوهش

نام نویسندهمحمدهادی مؤذن جامی

معجم شواهد التفسیر (1)

نام نشریهتراثنا

نام نویسندهاسعد الطیب

معرفی کتاب (معجم مصنفات القرآن الکریم)

نام نشریهتحقیقات اسلامی

نام نویسندهبهاءالدین خرمشاهی

تفصیل الآیات

نام نشریهمعارف اسلامی

نام نویسندهابوالحسن شعرائی