share
1441/11/07
مقابله صحفیه للدکتور حسن عبدی پور مع الدکتور أحمد بن سعيد بن خليفة البوسعيدي

 المدير المختص بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية بسلطنة عمان، ونائب رئيس الجمعية العمانية للعناية بالقرآن الكريم.


حول موضوع:

"دراسة آراء المفكرين المعاصرين حول المرجعية العلمية للقرآن في التشريع"

واحدة من المسائل المهمة في كل حضارة هي القوانين وتشريعها. ولا بقاء لأيّ حضارة أو مجتمع بدون قوانين٬ فضلاً عن تطوّرهما وتكاملهما وازدهارهما. فالقوانين٬ في الحقيقة٬ هي التي تقيس ميزان تطوّر وازدهار المجتمع والحضارة. وبالنسبة للحضارة الإسلامية٬ فإنّ القرآن الكريم هو قانونها٬ وهو الذي يبيّن المشروع واللامشروع والحلال والحرام لأتباع هذه الحضارة. فالقرآن أوّل من بيّن الحلال والحرام في الإسلام. كما لا خلاف على أنّه المفسّر لأولى القوانين الإسلامية. لكنّ المشكلة تكمن في تعاقب العصور وتطوّر الحضارات الذي زاد من تعقيد المشاكل والقضايا في المجتمعات٬ ممّا يتطلّب وضع قوانين مناسبة لمعالجتها. على سبيل المثال إنّ قضايا الأسرة٬ والتبادلات والمعاملات والسياسات٬ والقضايا الاجتماعية٬ والقضايا العسكرية والحرب والجهاد٬ والعلاقات الدولية ... وغيرها تحتاج إلى قوانين تنظّمها. والموضوع المطروح هنا هو: هل تكفّل القرآن الكريم بوضع جميع تلك القوانين؟

في الإجابة على هذا السؤال ينقسم المفكرون المسلمون على الأقل إلى فئتين: فئة تعتقد بأنّ على المجتمعات الإسلامية أن تضع القرآن نصب عينيها كمرجع علمي للقوانين٬ وأن يكون التشريع على أساسه. وفئة أخرى من المفكرين تقول بأنّ عملية التشريع في العصر الراهن أصبحت معقدة للغاية ولا بدّ لها أن تستند إلى المصادر والمرجعيات العلمية المعاصرة. في البدء٬ يحاول هذا البحث تحليل هذين الرأيين٬ ثم استعراض مزايا كل منهما٬ وكذلك بيان المآخذ المطروحة عليهما.

أسئلة البحث:

هدف البحث الإجابة على هذه الأسئلة:

الأسئلة الرئيسية: 

1. ما هي أدلة المؤيّدين لمرجعية القرآن العلمية في نظام التشريع الإسلامي؟

2. ما هي أدلة المعارضين لمرجعية القرآن العلمية في نظام التشريع الإسلامي؟

الهدف والضرورة:

يشمل التعرّف على طبيعة آراء المفكرين ونقدها في مجال المرجعية العلمية للقرآن في نظام التشريع:

1. دراسة أدلة المؤيّدين لمرجعية القرآن العلمية في نظام التشريع. 

2. دراسة أدلة المعارضين لمرجعية القرآن العلمية في نظام التشريع.

الأسئلة الرئيسية: 

1. ما هي أدلة المؤيّدين لمرجعية القرآن العلمية في نظام التشريع الإسلامي؟

ج: توجد أدلة كثيرة للمؤيدين لقضية الرجوع إلى أحكام القرآن في نظام التشريع منها ما يلي:

‌أ. أدلة توضح أن القرآن جاء شاملا لجميع شؤون الحياة الإنسانية، وكاشفا لنظمها ومناهجها وقوانينها وأحكامها، فلم يفرط القرآن في شيء يحتاج إليه الإنسان من الكليات والعلوم والمعارف، بل جاء تبيانا لها وتوضيحا لجوانبها، يقول الله تعالى: (مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖۚ ) (الأنعام:38) وقوله: (وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ) (النحل:89)، ونخلص منها إلى أن القرآن مصدر أصيل للتشريع، ولا يحتاج إلى مصادر أخرى.

‌ب. أدلة توضح أن الاحتكام إلى القرآن هو دليل للإيمان العميق بالله وبما جاء من عنده، وعلامة لسلوك درب الهداية الربانية، وأنه العاصم من الخلاف والتنازع بين الناس، ومن ذلك قول الله تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ  وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ  فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ  وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة:213)، وقوله: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ  ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (الشورى:10) وقوله كذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ  فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ  ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (النساء:59)، وقوله: (وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَمُهَيۡمِنًا عَلَيۡهِۖ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ) (المائدة:48).

‌ج. أدلة تشدد النكير على الخروج عن القوانين الإلهية والأحكام الربانية التي شرعها الله للبشرية، وتصفها بأنها كفر بالله ومصادمة لحكمه، منها قول الله تعالى: (وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُون) (المائدة:44)، وقوله: (وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ) (المائدة:45)، وقوله: (وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ) (المائدة:47)، وقوله: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ  وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50)، فالقرآن هو المصدر الأول للتشريع لا يجوز التغيير أو التبديل في ألفاظه أو في أحكامه وتوجيهاته، يقول الله –جل جلاله-: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ  قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ  قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي  إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ  إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (يونس:15)، كما أن الالتزام بتطبيق أحكام القرآن هو تنفيذ لما أنزله الله إلى عباده ليكون شريعة لهم ومنهجا، والخروج عنها يعد احتكاما إلى الطاغوت، واتباعا لما يريده الشيطان من الإضلال البعيد للبشرية، يقول الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) (النساء:60)، إضافة إلى أن المؤمن الحق هو الذي ينصاع إلى اتباع ما جاء من عند الله من أحكام، ويلتزم بما قضاه الله من تشريعات، وليس في ذلك مجال للاختيار أو الانتقاء، وإلا كان منحرفا إلى طريق الضلال المبين، يقول الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ  وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) (الأحزاب: 36).

2. ما هي أدلة المعارضين لمرجعية القرآن العلمية في نظام التشريع الإسلامي؟

في الحقيقة لا يوجد مستند شرعي يجيز ترك الاحتكام إلى القرآن، وإنما الصحيح عكس ذلك كما وضحنا ذلك، والأدلة التي تشبثوا بها هي مجرد أوهام أو تأويلات بعيدة أو تملص من الحق، ومن الشبه التي تعلقوا بها ما يلي:

‌أ. تغير الزمان: بمعنى أن القرآن نزل قبل أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان، فأحكامه لا تتناسب مع التقدم والتطور العصري واختلاف أحوال الناس وظروفهم.

‌ب. التصادم مع القوانين الدولية: فهم يرون أن أحكام القرآن لا تتوافق مع التشريعات والنظم الدولية، بل ينظرون إليها بأنها تخلف ورجعية أو أن فيها وحشية وقسوة مثل الرجم وقطع يد السارق وغيرها.

‌ج. تبدل الأحوال: ومنها وجود مستجدات لم تكون موجودة وقت تنزل القرآن؛ حيث تم صناعة مواد واختراعات وتقنيات وغيرها لم تكن موجودة عند تنزل القرآن، فكيف يحتكم فيها إلى القرآن وهي قد أحدثت بعده.

الهدف والضرورة:

يشمل التعرّف على طبيعة آراء المفكرين ونقدها في مجال المرجعية العلمية للقرآن في نظام التشريع:

1. دراسة أدلة المؤيّدين لمرجعية القرآن العلمية في نظام التشريع.

عند دراسة مجمل الأدلة للمنادين بمرجعية القرآن في التشريع نجد أنها الأقوى والأرجح عقلا ونقلا، ومن ذلك ما يلي:

‌أ. هناك دراسات وبحوث وموسوعات قديمة وحديثة في مجال تطبيق الأحكام القرآنية في نظام التشريع، فصلت الكثير من الشبه والمعوقات التي تقف حائلا دون تطبيقها، وهي تبين بشكل تطبيقي صلاحية تطبيق أحكام القرآن لكل زمان ومكان وفي كل مصر وعصر، ودور العلماء في تنزيل هذه الأحكام في واقع الناس، وهذا كله يؤكد على أن أدلة المؤيدين للاحتكام إلى القرآن توافق العقل والواقع.

‌ب. أثبتت بحوث ودراسات علمية أن تطبيق النظم الشرعية المخالفة للقرآن جر على البشرية الفساد والخراب، وأن تطبيق الأحكام القرآنية هو الحل الأنجع لمشاكل البشرية وقضاياها من خلال تجارب عملية وحوادث واقعية، وهذا يقوي من موقف الأدلة المؤيدة للعودة إلى أحكام القرآن، وأنها شاملة لمختلف جوانب الحياة الإنسانية.

‌ج. هذه الأدلة تؤكد في مجملها على أن أي قضية لو تركت لحكم البشر لحصل بينهم الاختلاف والتنازع، وهذا ما هو حاصل في القوانين البشرية، وهذا بخلاف الاحتكام إلى إله هو خالق لجميع البشر وعالم لما يجلب لهم النفع والضر، وشرع لهم من الدين والأحكام ما يوصلهم إلى السعادة والراحة والطمأنينة.    

2. دراسة أدلة المعارضين لمرجعية القرآن العلمية في نظام التشريع.

عند النظر إلى أدلة المعارضين يتبين لنا ما يلي:

‌أ. أدلة ضعيفة ومتهاوية، لا تستند إلى عقل صحيح ولا إلى نقل صريح.

‌ب. الشبه التي ألقوها تم دحضها واحدا تلو الآخر؛ فتغير الأزمان والأحوال والظروف ليس مسوغا لتبديل حكم الله الثابت، لأن الله عالم بما كان وما هو كائن وما سيكون، والقرآن هو الكتاب السماوي الخاتم، كما أنه من خلال الحوادث والوقائع على مختلف الأزمنة والعصور ثبت بما لا يدع مجالا للشك إمكانية تطبيق أحكام القرآن، وأن والواقع يثبت الآثار الإيجابية لها عند تطبيقها والالتزام بها، وبالتالي تكون تلك الأدلة التي استندوا إليها غير واقعية وغير صحيحة.

‌ج. كشف فشل القوانين المخالفة لقانون القرآن وإثبات العكس من قبل باحثين وعلماء من غير المسلمين؛ فهم ينادون إلى تطبيق أحكام القرآن صراحة، وهذا يدعم موقف القرآن، فالحق ما شهدت به الأعداء، لذا يتبين أن المنادين بمعارضة أحكام القرآن إنما هم أعداء للإسلام أو أنهم من اتباع الهوى والشهوات، فيتعللوا بعدم صلاحية أحكام القرآن ليتفلتوا من أحكام الشريعة الغراء، ويضعوا من القوانين والأنظمة التي تتساير مع أهوائهم ورغباتهم.